قصص

قصة تؤام المرايا

قصة تؤام المرايا صوت خطواتي كان عالي وأنا ماشي في الممر الفاضي، الساعة ١ بعد نُص الليل، ممرات المُستشفى فاضية تمامًا، اللمبة المتعلَّقة في السقف إترعشت وأنا ماشي، بصيت لفوق ثواني… قبل ما اللمبة تقرَّر إنها تفضل مفتوحة، كملت مشي، آخر الممر دا شمال، تاني مكتب على الشمال.
مكتب صديق عُمري، وأقرب حد ليَّا، وواحد من أشهر وأشطر الدكاترة النفسـ.ـيين في مصر، دكتور عُمر النشوقاتي.
وقفت أدام باب مكتبه، شميت ريحة برفانه المُميَّز من ورا الباب، خبطت على الباب واستنيت ثواني لحَد ما سمعت صوته: “ادخُل”.
فتحت الباب ودخلت، ابتسم لمَّا شافني، قام من ورا مكتبه، خدني بالحُضن، وشاورلي أقعد، وجه قعد أدامي، عُمر طول عُمره بيفهم في الذوق.
بصيت في ساعتي قبل ما أقوله بهزار: “الساعة ١ بعد نُص الليل، مش حاسِس إنه ميعاد غريب شوية؟”.
ضحك وهو بيقول: “معقول؟ سامِر الصُردي… أهم وأشهر صحفي خـ.ـوارِق في مصر، مستغرَب إني مديه ميعاد بعد نُص الليل؟ يا ابني دا إنت كائِن ليلي… بذمتك… إنت آخر مرّة شُفت الشمس إمتى؟”.
ضحكت أنا كمان، عنده حق… طول عُمري كائن ليلي. عشان كدا موضوع صحفي الخـ.ـوارِق دا كان كويس جدًا بالنسبة لي، معروفة، أي كائن خـ.ـارِق بيحترم نفسه… بيطلع بالليل.
وطول عُمري مهووس بالخـ.ـوارِق والما ورائيـ.ـات، عشان كدا تخصَّصت في الكتابة عن القضايا اللي لها علاقة بالخـ.ـوارِق، والحمد لله… حقَّقت نجاح لا يُمكِن كُنت أحلم بيه أو أتمناه حتى.
وأديني أهو… ماسك صفحتين في أكبر جرنان مصري تقريبًا، وليّا سلسلة كُتب بتصدُر بشكل دوري مع واحدة من أكبر دور النشر في مصر، هحلم بإيه تاني.
قُلتله: “قولي بقى… قضـ.ـية إيه اللي جايبني عشانها؟ قُلتلي إنها واحدة من أهم القضـ.ـايا اللي هشوفها أو هكتب عنها في حياتي!”.
مد إيده ومسك ملف من فوق المكتب، حطّه أدامي، مسكته وقريت الاسم اللي عليه (إسلام توفيق).
عينيا وسعت وأنا بقوله: “إسلام توفيق؟”.
ابتسم وهو بيقولي: “هو بعينه، إسلام توفيق اللي قـ.ـتل عيلته كُلها وقال إن إنعكاسه في المراية هو اللي قتلـ.ـهم”.
“إنت بتتكلِّم جد؟ هتخليني أكتِب عن القضيـ.ـة دي؟”.
“مش بس كدا… أنا كمان هديك تفاصيل محدِّش يعرف عنها حاجة، حاجات أول مرَّة هتتنشر، أنا هخليك تقرا ملف التحقيق، وتقرا ردوده على كُل الأسئلة بنفسك”.
طلع كام ورقة من جوا الملف، أول ما شُفتهم عرفتهم… نص التحقيق معاه، اللي بين إيديا دا كنز! كنز بجد!
***
المُحقِّق: اسمك وسنّك وعنوانك؟
إســـــــــــــــــلام: إسلام توفيق المنياوي، ٣٥ سـنة، ساكِن في (…..).
المُحقِّق: عارِف إنت هنا ليه يا إسلام؟
إســــــــــــــــــلام: بتقولوا إني قتـ.ـلت مراتي وعيالي.
المُحقِّق: بنقول؟ وإنت مقتـ.ـلتهمش يا إسلام؟
إســـــــــــــــــلام: لأ، هو اللي قتـ.ـلهم.
المُحقِّق: هو؟ هو مين؟
إســـــــــــــــــلام: رضا توفيق، توأمي.
المُحقِّق: بس أنا معلوماتي إنك وحيد والدك ووالدتك، ملكش أي إخوات أصلًا!
إســــــــــــــــــلام: مظبوط.
المُحقِّق: مظبوط؟ أمال مين رضا توفيق اللي بتقول إنه توأمك دا؟
إســـــــــــــــــلام: توأمي الميّـ.ـت، أنا إتولدت حي، وهو نزل من بطن ماما ميّـ.ـت، ومن يومها وهو بيقول إن أنا السبب في مـ.ـوته.
المُحقِّق: بيقول؟ أنا مش فاهِم حاجة، مُمكِن تفهمني؟
إســـــــــــــــــلام: أكيد… من أول ما وعيت على الدنيا وأنا بشوفه، حاولت أحكي لبابا وماما، قالولي إني بيتهيألي، ولمَّا صمّمت إني بشوف رضا، ودوني لدكتور نفسي… إداني أدوية وحاجات وقعد يفهمني إني مصدوم بسبب مـ.ـوته، وإني بلوم نفسي على دا، وكلام من دا. بس كلهم نسوا حاجة مُهِمّة.
المُحقِّق: حاجة إيه؟
إســــــــــــــــــلام: إن محدّش منهم حكالي إن كان ليّا توأم نزل من بطن ماما ميّـ.ـت، وإنهم سمّوه رضا. طيب مش كان المفروض يسألوا نفسهم أنا عرفت منين؟
المُحقِّق: أكيد سمعت من حد كلمة كدا ولا كدا، حد إتكلّم أدامك.
إســـــــــــــــــلام: ولا كلمة… عُمر ما حد منهم جاب سيرة الموضوع دا أصلًا.
المُحقِّق: أمال إنت عرفت إزاي؟
إســـــــــــــــــلام: هو اللي قالِّي.
المُحقِّق: مُمكِن تديني تفاصيل أكتر؟
إســــــــــــــــــلام: من يوم ما وعيت على الدُنيا وأنا بشوفه، ساكِن مرايتي، كُل الناس بتبُص في المرايا تشوف انعكاسها عادي، إلا أنا… بشوفه هو في المراية. بيكلّمني… بيلومني على مـ.ـوته، بيعاتبني، بيحـ.ـقد عليّا عشان أنا عايش حياتي وهو محـ.ـبوس في المراية.
المُحقِّق: طيب هحاوِل أمشي معاك واحدة واحدة، طالما هو محـ.ـبوس في المراية، قتـ.ـلهم إزاي؟
إســـــــــــــــــلام: لازِم تعرف إنه كان أقوى مني، هو اللي كان بيتحكٍّم فيّا، لو في يوم طلب مني حاجة… ومعملتهاش، كان بيجبرني إني أؤذي نفسي، عشان كدا كُنت بخاف منه… وكنت…
المُحقِّق: كُنت إيه؟
إســـــــــــــــــلام: كُنت بسمع كلامه، وبنفّذ كُل اللي بيطلبه مني، لحَد ما في يوم إتخانِقت مع ميار خناقة كبيرة، غلطت فيَّا، وأهانـ.ـتني جامِد، يومها دخلت الحمّام، صعبت عليّا نفسي وعيّطت أدام المراية، قالي إني ضعيف، وطلب مني أخرُج أعاقِبها، طلب مني أعمل فيها حاجات شريـ.ـرة أوي، رفضت… عُمري ما كُنت هعمل فيها كدا، ساعتها طلب مني أسيب له نفسي، اختفى من المرايا… وحسيت بيه جوايا، بيتحكّم فيا، محسيتش بحاجة تاني، زي… زي ما تكون الدنيا قفلت في وشي… مدريتش بالدنيا غير تاني يوم. لمَّا هو رجع المراية تاني!
المُحقِّق: وعاقِب ميار زي ما قالّك؟
إســــــــــــــــــلام: آه، لقيت وشها وارِم وحوالين عينـ.ـها كدمة سـ.ـودا، صابع إيدها الشمال كان مكسـ.ـور، وكانت مرعوبة مني.
المُحقِّق: حاولت تتكلّم معاها؟
إســـــــــــــــــلام: آه، قالتلي إنها عُمرها ما هتعمل كدا تاني، وإنها هتعيش تسمع كلامي بعد كدا، بس إترجَّـ.ـتني معملش فيها كدا تاني.
المُحقِّق: طيب ليه مهربـ.ـتش أو سابت البيت؟
إســـــــــــــــــلام: قالت إني هـ.ـددتها لو عملت كدا… هقـ.ـتلها.
المُحقِّق: ما إنت قتـ.ـلتها كدا كدا!
إســــــــــــــــــلام: مش أنا اللي قتـ.ـلتها، هو اللي قتـ.ـلها، هتسيبني أكمِّل ولا إيه؟
المُحقِّق: كمِّل، وبعدين؟
إســـــــــــــــــلام: عاشت في الخـ.ـوف دا لفترة، وبعدين لمَّا إتطمِنت إني تمام، بدأت ترجع لسخـ.ـافتها معايا واحدة واحدة، وهو مكانش مبسوط من دا، فضل كل يوم يطلب مني أسيبه له التحكّم في جسمنا… أقصد في جسمي، وأنا كُنت برفُض وبقاومه، لحَد ما في يوم… الموضوع إتطوّر ومدّت إيدها عليّا، قالتلي كلام… لا يُمكِن أي راجِل يقبله على نفسه، ساعتها ضعفت… سيبته يتحكّم فيا، وزي المرَّة اللي فاتِت… اختفى من المراية… حسيت بيه جوايا… والدنيا اسودّت في عينيا.
المُحقِّق: والمرَّة دي كمان ضـ.ـربها وهـ.ـددها؟
إســــــــــــــــــلام: للأسف لأ، المرّة دي الوضع كان أسوأ.
المُحقِّق: إزاي؟
إســـــــــــــــــلام: لمَّا رجعت أتحكّم في الجسم تاني، الأوضة كانت غرقانة دم، كانوا مرميين أدام عيني… ميـ.ـتين! أغلى ناس في حياتي! مراتي وعيالي! قـ.ـتلهم! هدومي كمان كانت غرقانة دم! الحيطان… الأرض… السقف! لازِم تصدّقوني… هو اللي قتـ.ـلهم، مش أنا… لازم تصدّقوني… لازم تصدّقني.
المُحقِّق: طيب… حتى لو صدّقتك، لازم تعرف حاجة مُهِمة، بصماتك كانت في كُل مكان، كُل حاجة في مسرح الجـ.ـريمة بتقول إن اللي إنت اللي قـ.ـتلتهم.
إســـــــــــــــــلام: ما هو آه! ما لازم بصماتي تبقي في كُل مكان! بقولك هو اللي قتـ.ـلهم! بس كان جوايا! استخدم جسمي في دا!
المُحقِّق: للأسف يا إسلام… اللي بتقوله دا مالوش معني، مُستحيل!
إســــــــــــــــــلام: يعني إيه؟
المُحقِّق: يعني إنت القاتـ.ـل!
***
خلَّصت قراية الورق، خدت نفس عميق، حاولت أرتّب أفكاري شوية، بس اللي جوايا كان كتير… كتير أوي.
بس الغريب… إنه كان مُبتسِم!
ومن معرفتي بعُمر… الابتسامة دي كان وراها حاجة!
قرَّرت أؤجِل كُل حاجة وأسأله: “فيه حاجة تانية… صح؟”.
ابتسامته وسعت وهو بيقول: “صح!”.
وبمُنتهى الحماس، كأني عيّل صغيّر يوم وقفة العيد، قُلتله: “قولّي… فيه إيه؟”.
إتعدل على الكُرسي، حط رجل على رجل، وبدأ يتكلّم: “شوف يا سيدي، لمّا جابوه هنا عشان نحطّه تحت المُلاحظة، عشان كانوا شاكّين إنه عامِل قصة توأمه دي عشان يهرب من العقـ.ـاب، طلبت منهم أركّب كاميرة مُراقبة في أوضته عشان نقدر نراقبه طول الوقت، ويبقى معانا دليل لو حصلت أي حاجة، والحقيقة… إنه كان شخص عادي جدًا، بيتصرّف بشكل عادي، لحَد ما جه في دماغي فكرة… طلبت منهم نركّب مراية في أوضته”.
ملت لأدام على الكُرسي وقُلتله: “مراية؟ في مصحّة نفسية؟ بس دا ممنوع! عشان يعني مُمكِن يكسّرها ويؤذي بيها نفسه!”.
ضحك وقال: “طول عُمرك مُتسرّع، عشان كدا… أنا دايمًا سابقك بخطوة، ركبنا مراية من زجاج مقاوِم للكسر، ومن بعد ما المراية ركبت… شُفت حاجة أغرب من الخيال”.
قُلتله بفضول: “حاجة؟ حاجة إيه؟”.
ضحك وهو بيقول: “تحب أحكيلك؟”. لف شاشة الكومبيوتر اللي على مكتبه وهو بيكمّل: “ولا تشوف بنفسك؟”.
وقبل ما أرد عليه… فتح ملف… كُنت بشوف اللي بيحصل في أوضة إسلام حالًا، مُباشر… عن طريق الكاميرا.
صوت… وصورة.
وأدام عيني… إسلام كان بيكلّم انعكاسه في المراية.
***
“إنت السبب في أني جيت هنا! زي ما جبتني هنا… لازم تطلعني من هنا”.
“لا… محدّش مصدّق إنك إنت اللي قتـ.ـلتهم! فاكرين إني عامِل مجنون!”.
“إتصرّف… محدّش مصدقني بقولك”.
“لا طبعًا… مش هسيبك تتحكم في جسمي تاني، كفاية أوي لحَد كدا”.
“آه طبعًا عارف إنهم بيراقبوني… ما الكاميرا فوق أهي… واللي أنا بعمله أصلًا مش في صالحي… بكلّم نفسي في المراية… أكيد هيفكروني مجنون”.
“لا، شوف حل تاني غير إني أديك السيطرة على جسمي”.
“فكرة؟ فكرة إيه؟”.
“هتعمل إيه؟ لا… الدكتور مالوش دعوة”.
“لو سمحت يا رضا بلاش تؤذي حد… كفاية أوي لحد كدا”.
“لا… رضا… لأ!”.
***
وأدام عيني… حصلِت حاجة أغرب من الخيال.
انعكاس إسلام في المراية… اختفى!
عُمر قام من مكانه وهو بيهمس: “مُستحيل”.
بصلي، شُفت الخوف في عينيه، وأكيد… هو كمان شاف الخوف في عينيا. جسمي بدأ يترعش وأنا بقوله: “انعكاسه…”.
قال وكأنه بيقرا أفكاري: “… اختفى”.
بصينا للشاشة تاني، وأدام عينيا إسلام كان واقِف أدام المراية، مُنهار وبينادي على انعكاسه: “يا رضااااااااااا”.
سألت عُمر: “هو… هو راح فين؟”.
بلع ريقه وجسمه كُله بيترعش، مردّش عليّا، سألته: “عُمر… مالك؟”.
مردّش… سألته تاني والخوف بيملى قلبي: “مالك يا عُمر؟”.
رفع إيده ومن غير ما ينطق بولا كلمة شاور على المراية اللي ورايا، مراية كبيرة متعلّقة على الحيطة في مكتبه، بلعت ريقي بصعوبة، حاولت أتغلّب على رعشة جسمي وأنا بلف ورايا.
بصيت في المراية…
وشُفته…
أدام عيني كان واقِف جوا المراية، وعينيه مليانة شر مش طبيعي، بصيت بطرف عيني على الشاشة، وشُفت إسلام مُنهار على الأرض، بيعيّط وبينادي على توأمه في المراية
“يا رضاااااااا”.
بس رضا مش هيرُد عليه… لأن رضا هنا… أدامنا… في المراية.
فجأة… لمبة الأوضة فرقعت، والضلمة سيطرت على كُل حاجة.
ومراية الأوضة إتكسرت… وسمعت صوت خطواته على الأرض… همست بخوف: “رضا؟”.
وسمعت همس مُرعب من ورايا بيقول: “أنا هنا”.
.
لو القصة عجبتك وحابِب تدعمني.. متنساش تعمل لوف، وشير للقصة عشان دا بيساعدني وبيدعمني أكتر مما تتخيَّل
وشكرًا مقدمًا
‏‎
‏‎

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى